فصل: مقتل ناصرالدولة بن حمدان بمصر.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مقتل ناصرالدولة بن حمدان بمصر.

كانت أم المستنصر متغلبة على دولته وكانت تصطنع الوزراء وتوليهم وكانوا يتخذون الموالي من الأتراك للتغلب على للدولة فمن استوحشت منه أغرت به المستنصر فقتله فاستوزرت أولا أبا الفتح الفلاحي ثم استوحشت منه فقبض عليه المستنصر وقتله ووزر بعده أبا البركات حسن بن محمد وعزله ثم ولى الوزارة أبا محمد التازوري من قرية بالرملة تسمى تازور فقام بالدولة إلى أن قتل ووزر بعده أبو عبد الله الحسين ابن البابلي وكان في الدولة من موالي السودان ناصر الدولة بن حمدان واستمالوا معهم كتامة والمصامدة وخرج العبيد إلى الضياغ واجتمعوا في خمسين ألف مقاتل وكان الأتراك ستة آلاف وشكوا إلى المستنصر فلم يشكهم فخرجوا إلى غرمائهم والتقوا بكوم الريش وأكمن الأتراك للعبيد ولقوهم فانهزموا وخرج كمينهم على العبيد وضربوا البوقات والكاسات فارتاب العبيد وظنوه المستنصر فانهزموا وقتل منهم وغرق نحو أربعين ألفا وفدى الأتراك وتغلبوا وعظم الإفتراء فيهم فخلت الخزائن واضطربت الأمور وتجمع باقي العسكر من الشام وغيره إلى الصعيد واجتمعوا مع العبيد وكانوا خمسة عشر ألفا وساروا إلى الجيزة فلقيهم الأتراك وعليهم ناصر الدولة بن حمدان فهزموهم إلى الصعيد وعاد ناصر الدولة والأتراك ظافرين واجتمع العبيد في الصعيد وحضر الأتراك بدار المستنصر فأمرت أمه العبيد بالدار أن يفتكوا بمقدمي الأتراك ففعلوا وهربوا إلى ظاهر البلد ومعهم ناصرالدولة وقاتل أولياء المستنصر فهزمهم وملك الإسكندرية ودمياط وقطع الخطبة منهما ومن سائر الريف للمستنصر وراسل الخليفة العباسي ببغداد وافترق الناس من القاهرة ثم صالح المستنصر ودخل القاهرة واستبد عليه وصادر أمه على خمسين ألف دينار وافترق عنه أولاده وكثير من أهله في البلاد ودس المستنصر لقواد الأتراك بأنه يحول الدعوة فامتعضوا لذلك وقصدوه في بيته وهو آمن منهم فلما خرج إليهم تناولوه بسيوفهم حتى قتلوه وجاؤا برأسه ومروا على أخيه في بيته فقطعوا رأسه وأتوا بهما جميعا إلى المستنصر وذلك سنة خمس وستين وولى عليهم الذكر منهم وقام بأمر الدولة.

.استيلاء بدر الجمالي على الدولة.

أصل بدر هذا من الأرمن من صنائع الدولة بمصر ومواليها وكان حاجبا لصاحب دمشق واستكفاه فيما وراء بابه ثم مات صاحب دمشق فقام بالأمور إلى أن وصل الأمير على دمشق وهو ابن منير فسار هو إلى مصر وترقى في الولايات إلى أن ولي عكا وظهر منه كفاية واضطلاع ولما وقع بالمستنصر ما وقع من استيلاء الترك عليه والفساد والتضييق استقدم بدر الجمالي لولاية الأمور بالحضرة فاستأذن في الاستكثار من الجند لقهر من تغلب من جند مصر فأذن له في ذلك وركب البحر من عكا في عشرة مراكب ومعه جند كثيف من الأرمن وغيرهم فوصل إلى مصر وحضر عند الخليفة فولاه ما وراء بابه وخلع عليه بالعقد المنظوم بالجوهر مكان الطوق ولقبه بالسيد الأجل أمير الجيوش مثل والي دمشق وأضيف إلى ذلك كافل قضاة المسلمين وداعي دعاة المؤمنين ورتب الوزارة وزاده سيفه ورد الأمور كلها إليه ومنه إلى الخليفة وعاهده الخليفة على ذلك وجعل إليه ولاية الدعاة والقضاء وكان مبالغا في مذهب الإمامية فقام بالأمور واسترد ما كان تغلب عليه أهل النواحي مثل ابن عمار بطرابلس وابن معرف بعسقلان وبني عقيل بصور ثم استرد من القواد والأمراء بمصر جميع ما أخذوه أيام الفتنة من المستنصر من الأموال والأمتعة وسار إلى دمياط وقد تغلب عليها جماعة من المفسدين من العرب وغيرهم فأثخن في لواتة بالقتل والنهب في الرجال والنساء وسبى نساءهم وغنم خيولهم ثم سار إلى جهينة وقد ثاروا ومعهم قوم من بني جعفر فلقيهم على طرخ العليا سنة تسع وستين فهزمهم وأثخن فيهم وغنم أموالهم ثم سار إلى أسوان وقد تغلب عليها كنز الدولة محمد فقتله وملكها وأحسن إلى الرعايا ونظم حالهم وأسقط عنهم الخراج ثلاث سنين وعادت الدولة إلى أحسن ما كانت عليه.

.وصول الغز إلى الشام واستيلاؤهم عليه وحصارهم مصر.

كان السلجوقية وعساكرهم من الغز قد استولوا في هذا العصر على خراسان والعراقين وبغداد وملكهم طغرلبك وانتشرت عساكرهم في سائر الأقطار وزحف اتسز بن افق من أمراء السلطان ملك شاه وسموه الشاميون أفسفس والصحيح هذا وهواسم تركي هكذا قال ابن الأثير فزحف سنة ثلاث وثلاثين بل وستين ففتح الرملة ثم بيت المقدس وحصر دمشق وعاث في نواحيها وبها المعلى بن حيدرة ولم يزل يوالي عليها البعوث إلى سنة ثمان وستين وكثر عسف المعلى بأهلها مع ما هم فيه من شدة الحصار فثاروا به وهرب إلى بلسيس ثم لحق بمصر فحبس إلى أن مات ولما هرب من دمشق اجتمعت المصامدة وولوا عليهم انتصار بن يحيى منهم ولقبوه وزير الدولة ثم اضطربوا مما هم فيه من الغلاء وجاء أمير من القدس فحاصرهم حتى نزلوا على أمانه وأنزل وزير الدولة بقلعة بانياس ودخل دمشق في ذي القعدة وخطب فيها للمقتدي العباسي ثم سار إلى مصر سنة تسع وستين فحاصرها وجمع بدر الجمالي العساكر من العرب وغيرهم وقاتله فهزمه وقتل أكثر أصحابه ورجع أتسز منهزما إلى الشام فأتى دمشق وقد صانوا مخلفه فشكرهم ورفع عنهم خراج سنة تسع وستين وجاء إلى بيت المقدس فوجدهم قد عاثوا في مخلفه وحصروا أهله وأصحابه في مسجد داود عليه السلام فحاصرهم ودخل البلد عنوة وقتل أكثر أهله حتى قتل كثيرا في المسجد الأقصى ثم جهز أمير الجيوش بدر الجمالي العساكر من مصر مع قائده نصير الدولة فحاصر دمشق وضيق عليها وكان ملك السلجوقية السلطان ملك شاه قد أقطع أخاه تتش سنة سبعين وأربعمائة بلاد الشام وما يفتحه منها فزحف إلى حلب وحاصرها وضيق عليها ومعه جموع كثيرة من التركمان فبعث إليه أتسز من دمشق يستصرخه فسار إليه وأجفلت عساكر مصر عن دمشق وخرج أتسز من دمشق للقائه فقتله وملك البلد وذلك سنة إحدى وسبعين وملك ملك شاه بعد ذلك حلب واستولى السلجوقية على الشام أجمع وزحف أمير الجيوش بدر الجمالي من مصر في العساكر إلى دمشق وبها تاج الدولة تتش فحاصره وضيق عليه وامتنع عليه ورجع وزحفت عساكر مصر سنة اثنتين وثمانين إلى الشام فاسترجعوا مدينة صور من يد أولاد القاضي عين الدولة بن أبي عقيل كان أبوهم قد انتزى عليها ثم فتحوا مدينة صيدا ثم مدينة جميل وضبط أمير الجيوش البلاد وولى عليها العمال وفي سنة أربع وثمانين استولى الفرنج على جزيرة صقلية وكان أمير الجيوش قد ولى على مدينة صور منير الدولة الجيوشي من طائفته فانتقض سنة ست وثمانين وبعث إليه أمير الجيوش العساكر فثار به أهل المدينة واقتحمت عليهم العساكر وبعث منير الدولة إلى مصر في جماعة من أصحابه فقتلوا كلهم ثم توفي أمير الجيوش بدر الجمالي سنة سبع وثمانين في ربيع الأول لثمانين سنة من عمره وكان له موليان أمين الدولة لاويز ونصر الدولة أفتكين فحذرهم بأنه يروم الاستبداد ورغبه في ولد مولاه بدر فما قضى بدر نحبه استدعى المستنصر لاويز ليقلده فأنكر ذلك أفتكين وركب في الجند وشغبوا على المستنصر واقتحموا القصر وأسمعوه خشن الكلام فرجع إلى ولاية ولد بدر وقدم للوزارة ابنه محمد الملك أبا القاسم شاه ولقبه بالأفضل مثل لقب أبيه وكان أبو القاسم بن المقري رديفا لبدر في وزارته بما كان اختصه لذلك فولى بعد موته الوزارة المقري وكانت عندهم عبارة عن التوقيع بالقلم الغليظ وقام الأفضل أبو القاسم بالدولة وجرى على سنن أبيه في الاستبداد وكانت وفاة المستنصر قريبا من ولايته.